بإسم الله الولي الحميد
وكأني بك وقد تجلى الملك السلام سبحانه وتعالى بجلاله عليك ، قد سقيت - أيها المصلح المكلوم - من غيبه في شهادتك ، وقيل لك - وأنت لا تزال مهموما بأمتك وآهاتك - إرو فلطالما ظمئت ، وإسعد فلطالما شقيت ، وإبق فلطالما فنيت ، ودع روحك تصفو بأسمائه الحسنى سبحانه وتعالى وقد تجلت لك ، لتتصل به سبحانه وتعالى وقد إتصل بك ، وتشهده وقد أشهدك ، وتطمئن به وقد طمأنك ، وتقبل عليه وقد قبلك ، وتتمنى عليه وقد حكمك : ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . البقرة 269
فبعينه سبحانه وتعالى تقلبت في آهاتك وهمومك ، وبه جاهدت في ظلماتك ونورك ، وعن قدر منه تمرغت في فقرك وضرك ، وبمشهده صبرت على بلواك ومحنك ، ليسبك كلك بكلك ، لعلك تصلح لخدمته في آخر عمرك ..
فلم يغب عليه سبحانه وتعالى شأنك ، ولا خفي عنه جهرك ولا سرك ، وقد مضغت في سبيل محبته الحنظل والعلقم ، وإقتحمت لإعلاء كلمته الجمر المجمر ، وغيرك هادئ في عيشه الأخضر ، حتى صرت كاهلا على كل كاهل ، وكانك من مرميات المزابل ..
وقد آذاك وكل أمتك الخلق بألسنتهم ، وإبتذلوكما بأعينهم ، وطردوكما من أفنيتهم ، وسفهوكما في مجامعهم ، وحقروكما بسياساتهم وقلوبهم ، وتقززوا منكما كلما تقاربتما ، وإستعاذوا منكما كلما تماسكتما، بل ونهشوكما ثم شتتوكما كل شتات .. وقد سخروا منك عند قولك ، وأهانوك عند سكوتك ، وإذا دعوتهم لم يلبوا ، وإذا حدثتهم لم يجيبوا ، وإذا إستعطفتهم لم يسعفوا ، كما حال معظم العلماء إن عملوا ، وللإصلاح الحق شمروا...
كل ذلك كان ولا يزال بمسمع منه سبحانه وتعالى ومرأى ، لم تنطو عنه منك ذرة ، وقد إختبر صبرك ، ليشد أزرك ، ويبارك أمرك ، ويعمق علمك ، بعد أن قتل فيك النفس الأمارة ، وأصلح منك الباطن قبل الظاهر ، وأماتك لتحيا ، وإبتلاك لتعلم ، ورباك لتتربى ، وأفناك لتبقى يا مبتلى ويا مصلح ويا مكلوم ، لعلك تكون أهلا لقرآنه ، وللتمسك حكيما بسنن رسوله ، فتذوق من بعض عرفانياته وولائه عليه الصلاة والسلام ومن بعض علومه ، فتحضى حقا بعبديته سبحانه ، وبشرف خدمة كل دينه :
فلا يسجنك مذهب عن مذهب أيها العالم العامل ، ولا تكثل عن تكثل ، ولا فقه عن فقه ، ولا عمل عن عمل ،...: فالإسلام دين لعدة مذاهب ، ودين لآلاف الفقهيات ولآلاف العلوم ، وأينما كان الحق فذاك المذهب .. فحذاري أن تأسرك غاية عن غاية : فالحق إسم لله تعالى ورب تعبده ، وهو غاية كل الغايات سبحانه ..
فكن وفيا لصلاحك ، لعلك تنادي حقا بكل الإصلاح ، بعد أن تتعلم حتى تحتار ، وتحتار حتى تتعلم ، فتعمل بعلم ، ثم تعلم عن عمل ، وتجاهد بعرفان ، حتى ينطق بقلبك الفؤاد وبك يسعدا ، ويصفو بروحك السر ولك يلهما ، فتشهد بأنك ما جاهدت ولن تجاهد فيه سبحانه وتعالى - ومهما عملت أو علمت أو عرفت - حق جهاده ، ولا واليته ولن توليه - ومهما فنيت في حبه - حق ولائه ، ولا قدرته ولن تقدره حق قدره ، بل ولا منه إستحييت سبحانه ....
بل وما ذقت - إن كنت كذاك - إلا ذرة من حال وفهم وعمل الحبيب شفيعنا محمد عليه كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم ، فلا يعلم قدره جزاه الله خيرا على الثقلين ، إلا الله سبحانه وتعالى رب العالمين : فلقد كان يخاطبنا فقط بما لا تعيى العقول به صلوات الله التامات عليه .
وفوق كل ذي علم عليم . يوسف 76 .
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . الإسراء 85 .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا . النور 21 .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا . النساء 83 .
و: لن يدخل أحدا عمله الجنة . كما روى البخاري.
وقمة العلم : الله أعلم .
ولهذا وغيره أضع لك سيدي العالم المكلوم ، ولكل من تهمه همومك ، وكل من تثكله آهات الأمة ، ويسكنه حب الحق والخير وصفو الكمال ، رسائلي الموجزة هاته ، لعلها تكون شفاء لبعض دائك ودائنا ، وجوابا عن بعض سؤالك وسؤالنا ، وبلسما لبعض جراحك وجروحنا ، ولما لشتاتي وشتاتك ، واللهم لشتاتنا .. آمين .
ولو كانت لي دعوة مستجابة لدعوتها - وبإسم الله الأعظم - لذوي الأمور في كل أوطاننا ، ولكل مفكرينا وعلمائنا العاملين ولكل المصلحين الصالحين ، لأن بهم كل الصلاح والإصلاح ، ودونهم كل الفساد والإفساد ..
وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . الرعد 11 .
واللهم وجهك الكريم يا كريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق