الأربعاء، 24 فبراير 2021

************************************* 

بإسم الله الرحمان الرحيم : 

ولكن كونوا ربانيين

بما كنتم تعلمون الكتاب

وبما كنتم تدرسون . 

آل عمران 79

********************************   


السبت، 20 فبراير 2021

رسالة عرفان إصلاحية :

بإسم الله الولي الحميد 

وكأني بك وقد تجلى الملك السلام سبحانه وتعالى بجلاله عليك ، قد سقيت - أيها المصلح المكلوم - من غيبه في شهادتك ، وقيل لك - وأنت لا تزال مهموما بأمتك وآهاتك -  إرو فلطالما ظمئت ، وإسعد فلطالما شقيت ، وإبق فلطالما فنيت ، ودع روحك تصفو بأسمائه الحسنى سبحانه وتعالى وقد تجلت لك ، لتتصل به  سبحانه وتعالى وقد إتصل بك ، وتشهده وقد أشهدك ، وتطمئن به وقد طمأنك ، وتقبل عليه وقد قبلك ، وتتمنى عليه وقد حكمك : ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . البقرة 269

فبعينه سبحانه وتعالى تقلبت في آهاتك وهمومك ، وبه جاهدت في ظلماتك ونورك ، وعن قدر منه تمرغت في فقرك وضرك  ، وبمشهده صبرت على بلواك ومحنك ، ليسبك كلك بكلك ، لعلك تصلح لخدمته في آخر عمرك ..

فلم يغب عليه سبحانه وتعالى شأنك ، ولا خفي عنه جهرك ولا سرك ، وقد مضغت في سبيل محبته الحنظل والعلقم ، وإقتحمت لإعلاء كلمته الجمر المجمر ، وغيرك هادئ في عيشه الأخضر ، حتى صرت كاهلا على كل كاهل ، وكانك من مرميات المزابل ..

وقد آذاك وكل أمتك الخلق بألسنتهم ، وإبتذلوكما بأعينهم ، وطردوكما من أفنيتهم ، وسفهوكما في مجامعهم ، وحقروكما بسياساتهم وقلوبهم ، وتقززوا منكما كلما تقاربتما ، وإستعاذوا منكما كلما تماسكتما، بل ونهشوكما ثم شتتوكما كل شتات ..                           وقد سخروا منك عند قولك ، وأهانوك عند سكوتك ، وإذا دعوتهم لم يلبوا ، وإذا حدثتهم لم يجيبوا ، وإذا إستعطفتهم لم يسعفوا ، كما حال معظم العلماء إن عملوا ، وللإصلاح الحق شمروا...

كل ذلك كان ولا يزال بمسمع منه سبحانه وتعالى ومرأى ، لم تنطو عنه منك ذرة ، وقد إختبر صبرك ، ليشد أزرك ، ويبارك أمرك ، ويعمق علمك ، بعد أن  قتل فيك النفس الأمارة ، وأصلح منك الباطن قبل الظاهر ، وأماتك لتحيا ، وإبتلاك لتعلم ، ورباك لتتربى ، وأفناك لتبقى يا مبتلى ويا مصلح ويا مكلوم  ، لعلك تكون أهلا  لقرآنه ، وللتمسك حكيما بسنن رسوله ، فتذوق من بعض عرفانياته وولائه عليه الصلاة والسلام ومن بعض علومه ، فتحضى حقا بعبديته سبحانه ، وبشرف خدمة كل دينه : 

فلا  يسجنك مذهب عن مذهب أيها العالم العامل ، ولا تكثل عن تكثل ، ولا فقه عن فقه ، ولا عمل عن عمل ،...: فالإسلام دين لعدة مذاهب ، ودين لآلاف الفقهيات ولآلاف العلوم ، وأينما كان الحق فذاك المذهب ..  فحذاري أن تأسرك غاية عن غاية : فالحق إسم لله تعالى ورب تعبده ، وهو غاية كل الغايات سبحانه ..

فكن وفيا لصلاحك ، لعلك تنادي حقا بكل الإصلاح ، بعد أن تتعلم حتى تحتار ، وتحتار حتى تتعلم ، فتعمل بعلم ، ثم تعلم عن عمل ، وتجاهد بعرفان ، حتى ينطق بقلبك الفؤاد وبك يسعدا ، ويصفو بروحك السر ولك يلهما  ، فتشهد بأنك ما جاهدت ولن تجاهد فيه سبحانه وتعالى - ومهما عملت أو علمت أو عرفت - حق جهاده ، ولا واليته ولن توليه - ومهما فنيت في حبه - حق ولائه ، ولا قدرته ولن تقدره حق قدره ، بل ولا منه إستحييت سبحانه  .... 

بل وما ذقت  - إن كنت كذاك - إلا ذرة من حال وفهم وعمل الحبيب شفيعنا محمد عليه كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم ، فلا يعلم قدره  جزاه الله خيرا على الثقلين ، إلا الله سبحانه وتعالى رب العالمين  : فلقد كان يخاطبنا فقط بما لا تعيى العقول به صلوات الله التامات عليه .

وفوق كل ذي علم عليم . يوسف 76 . 

وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . الإسراء 85  . 

ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا . النور 21 .

ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا . النساء 83 .

و: لن يدخل أحدا عمله الجنة  . كما روى البخاري.

وقمة العلم : الله أعلم .

ولهذا وغيره أضع لك سيدي العالم المكلوم ، ولكل من تهمه همومك ، وكل من تثكله آهات الأمة ، ويسكنه حب الحق والخير وصفو الكمال ، رسائلي الموجزة هاته ، لعلها تكون شفاء لبعض دائك ودائنا ، وجوابا عن بعض سؤالك وسؤالنا ، وبلسما لبعض جراحك وجروحنا ، ولما لشتاتي وشتاتك ، واللهم لشتاتنا .. آمين .

ولو كانت لي دعوة مستجابة لدعوتها - وبإسم الله الأعظم - لذوي الأمور في كل أوطاننا ، ولكل مفكرينا وعلمائنا العاملين ولكل المصلحين الصالحين ، لأن بهم كل الصلاح والإصلاح ، ودونهم كل الفساد والإفساد  ..

وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . الرعد 11 .  

واللهم وجهك الكريم يا كريم. 

مقدمة أولى :

 كما الماضي والحاضر ستظل الإنسانية بحاجة للفكر وللعلوم وكل الآداب والفقهيات الإسلامية كبوصلة كبرى لكل العقل المستقبلي ، وكبديل لكل الإيديولوجيات العالمية .. 

الأمل الذي كدنا نفقده مع الأخطاء الهدامة للإخوة الإسلاميين ، وخصوصا بعد تسلقهم السريع لكراسي السلطة دون فقه حركي ولا هندسات مستقبلية ، بعد أن كانوا هم البديل الوحيد للعديد من شعوبنا العربية ، بل وفرسان الخلافة كما كانت شعاراتهم الأولى ..

وليصير إسلامنا السياسي آفة لا علاجا ، ومشكلا لا حلا ، بل وأزمة إسلاموية وتسلفية لا ندري إن كنا سنستطيع تجاوزها قبل بعثة المهدي ونزول عيسى عليهما السلام ..

ولكن ورغم كل هذا الإخفاق السياسي والحركي والتخليقي والفكري لا زال إسلامنا الحنيف الملاذ الوحيد للإنسانية بعد أن وصل العقل الغربي مداه ، وبعد أن وقفت كل إيديولوجياته العالمية ، ولحد النداء الغربي اليوم لنفي العقل ونبذ الأخلاق ، وللفوضى الخلاقة وكل سياسات الحمق والجنون ، ولحد قول بوش الإبن : إنقضى زمن الإيديولوجيات.

ليبقى الإسلام - وبكل أسسه ومعاليه - البديل الحالي والمستقبلي لكل المدارس العالمية ..     لكن أي إسلام ؟ وبأي مذهب ؟ : لنجيب بكل بساطة ولكن بكل عمق : إسلام القرآن الكريم والسنة الشريفة وبالمذهبية الإسلامية الحقة كلها .. لكن ولنسأل : وبأي فهم ؟ ليجيب البعض : بفهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .. لنقول :  لقد وصل لنا نقل الصحابة للوحي قرآنا وسنة وسيرة لا العقل الكلي للصحابة ، والذين لم يكن لهم بدورهم فهما موحدا ولا سياسة واحدة ..

الفهومات والسياسات النبوية والصحابية التي لن نتلمسها بلطف ، بل ولن نقترب من آفاقها بعمق إلا بتدبرنا للقرآن الكريم كله وللسنة الشريفة كلها ، وإعتبارنا بكل السيرة النبوية الوقادة ، وبنية التعلم منها والعمل بها ، قبل الغرق في أي من الفقهيات والعلوم والآداب الإسلامية الأخرى ، وكل ما لا يناقضها من علوم ومعارف  حقة .

وكل هذا قبل الإختصاص في تنزيلها كفقه إصلاحي عام - وبكل تدرج - إن أردنا الإصلاح بكل رحمة وسلام وربانية : لأن المذهبية الإسلامية مركبة وليست بسيطة ، بل وجد معقدة حركيا وعند التنزيل ، وخصوصا بعد ان داخل العديد من العاملين في ساحات حقلنا الإسلامي ما داخلهم ، وبعد إدعاء كل تكثل منا لإجتهاده كفهم مطلق ، وكمذهبية شاملة ، ودون تفريق منا بين رحمانية الدين وإنسانية التدين ، وذاك لجهلنا بأن ديننا ليس هو تديننا ، وبأن الإسلام دين لعدة مذاهب ، ووحي لآلاف العلوم والفقهيات ، لا دين ووحي لمذهب واحد مهما تماسكت علومه وفقهياته ، ومهما تسنن منهاجه ، ولتبقى - ولحد اليوم - كل نقائضنا الحركية والعلمية والفقهية والفردية والتربوية في دعوتنا للإسلام الجزئي ، الذي كان ولا يزال من أعتى مولدات فشلنا ، بل وعين كل أزماتنا ..

الأزمات التي لن نتجاوزها إلا بإصلاح أنفسنا أولا كعاملين في الحقل الإسلامي ، وبنية البناء الصادق لا الهدم المصلحي ، ونية التوحيد لا الفرقة أولا ، وبكل إنسانية وتدرج وربانية ..ولصالح كل الناس - بل وكل الأرض - كما هي حقيقة الإسلام .

ودوما بالإسلام كله سنيا ، وبكل تدرج وربانية ، وإلا فلا إيمان منا كاملا بالإسلام :                                                                      

الخميس، 10 يناير 2013

مقدمة ثانية :

رغم أن الربانية من المفردات العميقة المعاني لغة ، فإن كثيرا من معاجمنا العربية - وحتى الضخمة منها - تخلو من شرح لغوي لهذا المصطلح ، الذي يرتبط باسم الرب ، ويعني كمال العبودية لله عز وجل . 
هاته العبودية التي لاتكتمل حتى لا تكون في العبد ذرة من الربوبية ، رغم أن إسم الرباني في بعض المعاجم تمزج بين العارف بالله كرباني والمتأله في كل الديانات ..
لكن تبقى الربانية في معناها العام إسلاميا ظهور الصفات العليا للإخلاص على كل حركات وسكنات العبد ، وعلى كل معاملاته وأفكاره وسلوكه ..
فهي إذن من الآفاق العليا للإسلام ، والتي لا يمكن أن يتصف بها حقا إلا أهل الإحسان من هاته الأمة ..
إذ تتطلب كثيرا من الشروط الظاهرة والباطنة ، والتي نجمل أسسها في كل واجبات التقوى ، والتى من معانيها الأولى خوف مقام الله وغضبه وعذابه ومكره ..
 كما أن للتقوى أسسا عديدة أجملها سيدنا علي كرم الله وجهه في قوله : 
التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضى بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل . 
وهاته هي الشروط الأساسية بل والكبرى للربانية الحقة التي عرفها أحد العلماء أيضا بأنها : وراثة أحوال النبوة ..
الوراثة التي لا يرثها إلا العلماء العاملون .
والتي لاتتم دون :
علم عملي وعلم دراسة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى البخاري : .. العلماء ورثة الأنبياء..
وعمل علمي وعلم وراثة كما قال تعالى : وإتقوا الله ويعلمكم الله .البقرة 282

من صفات الربانية :


فالربانية الكاملة إذن وبإجمال هي التحلي بكل صفات العبودية والعبادة والعبودة ثم العبدية كأعلى مقامات الولاء لله تعالى ؛ مع التخلي عن كل صفات التأله والتكبر والصفات الإلهية الخاصة التي لاتجوز للإنسان ، والتي لا يزال يسقط فيها حتى العديد من أرباب المواجيد وهواة الفلسفات الصوفية ..
 ولن تتحقق هاته المكاسب إلا بالتقرب لله سبحانه وتعالى بكل موجبات الإحسان ، والموجزة في التحلي بكل رقائق الإيمان بعدالإلتزام بكل فرائض الإسلام ، وبكل سنية .
مع الإستغراق في مقام المراقبة ، مع سلوك القلب بكل حكمة وشفافية وروحانية..
ولن يتم للمحسن هذا - بعد العمل بعلم - إلا بالحب الخالص لله سبحانه وتعالى ، تعرفا عليه ، وتخلقا بأسمائه الحسنى :
إذ هناك من صفات الله تعالى ما يتخلق بها المومن نسبيا - لا إطلاقا - كإسمه تعالى الرحيم والكريم والمومن والعزيز واللطيف والودود وغيرها ..
 ولحد قول أحد المشايخ لمريديه :  تخلقوا بأخلاق الله ..
والذي لا نعني بها التأله بقدر ما نعني بها التذوق الروحي للصفات الإلهية التي تأتي مجازا ونسبيا في الربانيين الذين إمتلأت كثير من كتب التصوف في الإسلام بحكمهم ومواجيدهم ، والداعية إلى الرفع من معنوياتهم وهممهم لنيل الدرجات العلى من ولاء الله سبحانه وتعالى ..
 ولحد الصديقية الكبرى كثاني مقام بعد النبوة وعند كمال التجليات ..
 حيث تكتمل خلافة الرباني لله سبحانه  ، وتكتمل إنسانيته..
فالرباني الخالص هو الإنسان المكتمل الإنسانية ، والخليفة الحق كما كان الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة والأولياء العارفين رضوان الله عليهم  أجمعين .
فللربانيين إذن كل صفات المسلمين  الظاهرة ، وكل سلوكات المومنين الباطنة  وكل أسرار المحسنين ، والتي أثنى الله عز وجل على بعض أعمال
ها الأساسية كـ :
1ــ أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المناكر : لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت . المائدة 63
2ــ الجهاد في سبيل الله بكل عزم وقوة وصبر  : وكأين من نبيء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا . آل عمران 146
3ــ العلم والدراسة والتدريس : كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون . آل عمران 79
وكل هذا وغيره لن يتم للرباني إلا إذا كان حقا من السالكين أحوال رسول الله صلوات الله عليه : لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا . الأحزاب 21
مما يلزم كل المحسنين بالرجاء الوافر والذكر الكثير ، لعل الله يمن عليهم بالإستغراق في الخشوع وفي أحوال النبي الباطنة عليه الصلاة والسلام ، لا أقواله وأعماله الظاهرة فقط . 
فمن لم يكن ذو رجاء كبير وكثرة ذكر ، وسلوك وخشوع قلب ، وذو أحوال روح ،  فإسوته ناقصة برسول الله صلوات الله عليه كما يشير عمق الآية السالفة عمليا  :
وهذا لن يتم إلا باتباع سبيل النائبين : واتبع سبيل من أناب إلي . لقمان 15:
 أي الراجعين دوما إلى الله تعالى ،  والذائقين لمعاني الكلمات الطيبات: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر  ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . كأساس لكل مواجيدهم الروحية وسلوكاتهم القلبية وتفكراتهم العقلية . 
والملهمين بكل ما يلزمها من علوم وأعمال ، وكل ما تثمره من معارف ومعاني وأذواق ..
حتى الرضى الكامل ، والإستسلام المطلق ، والسكينة السعيدة ، ثم الثقة الحقة بالله تعالى ، فخصوصية الرؤى وسماوية الأسرار ..
الأسرار والعلوم والمعارف والآفاق التي لا سبيل لها إلا بصحبة الصادقين امتثالا لقوله تعالى : وكونوا مع الصادقين . التوبة 119
 الآية التي تلزم كل صادق يرجو التعبد الفردي والسلوك القلبي  أو العمل الجماعي بالفطنة والتثبت من : 
- صدقه أولا  
- صدق مرشده أو قائده أو زعيمه أو فقيهه
- صدق إجتهادات وأهداف تكثله .. 
لأن مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم كان مجتمع صدق ، وللتأسي بهم لا بد من صحبة صادقة ولو قلت ..
فالربانية إذن صحبة ربانية ، وصدق علمي وعملي  ، ونية خالصة ، وإقتداء برسول الله صلى الله عليه جهد الطاقة ، وفي كل مجال ..
 الأمور التي لن تتحقق إلا بالتعاون والتكافل والمآزرة النافعة ، وبالتفتح على كل الفقه والفكر والعلوم الإسلامية بنية العمل ..
 وبكل تدرج ورفق ، لأن العلوم القرآنية والسنية غزيرة الأعمال ، ولا بد من وعي بفقه الأوليات بالنسبة للفرد وكذا الجماعة ..
الأوليات التي نراها إسلاميا تلزم أي مصلح بمحاربة الفقر المادي والمعنوي وبناء الإنسان المسلم قبل أي هدف :
 فالجسم العاري والبطن الجائع والعقل الجاهل والقلب الجشع والروح الجافة والإنسان المشرد هي أم  المشاكل ..
 ولا بناء للإنسان دون كرامته المالية ودون تخليقه أولا ، ومهما تعاظمت مشاريعنا الدنيوية ، وسطت برامجنا السياسية علمانويا أو إسلامويا ..
فلا إصلاح إسلامي دون تخليق ، ودون سيطرة على الفقر كبداية ..
لأن الإسلام جاء لإصلاح الإنسان أولا ، ولإنقاد كل الإنسانية ، وله في كل موضوع من مواضيعها علومه ، ولكل مشكلة من مشاكلها حلوله : وما أرسلناك إلا كافة للناس . سبا 28..
مما يوجب علينا الحذر كذلك من نسيان أخوتنا الآدمية والبشرية كما قال رسول الله صلوات الله عليه وروى الألباني : كلكم بنو آدم وخلق آدم من تراب .
وكذا الحذر من كل آفات الإسلام الجزئي بدعوى فقه الأوليات ، وإلا تنكرنا للعديد من الآيات والأحاديث ، كما إنزلق العديد من المنغلقين على أي مذهب أو تكثل أو علم أو فقه ، ولحد السقوط في كل سيئات قوله تعالى : أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض البقرة 85..  
فالإسلام ليس مذهبا منفردا ، ولافقها واحدا ، بل دين لعدة مذاهب ، ودين لآلاف الفقهيات وآلاف الشعب والعلوم .
مما  يلزمنا بالتمسك بالقرآن كله سنيا ، ودون إنغلاق : 
وأينما كان الحق بعدها فذاك الإسلام ..
بل والحق إسم من أسماء الله الحسنى سبحانه ..
وربما وجدته عند من لا صلة له بالإسلام :
 فليست كل علوم الكفار بكافرة ، ولا كل علوم العلمانيين بفاجرة ، كما أن إجتهادات العديد من المسلمين ورؤى العديد من الإسلاميين ليست بحكيمة ولا صائبة .
ولهذا فإن للربانية العلمية وللربانية في الحركية الإسلامية شروطا عديدة بل ودقيقة .. 
وأولها الإيمان العملي بالقرآن كله سنيا ، وبكل تفتح على كل ما حق من علوم ومعارف وآداب وفنون ..
 مع الصدق كفرض دائم ، والنية الخالصة كأساس متين ، والتي تتنوع إلى عدة نيات كـ :
1 ـــ نية التحرك لكل خير ومنفعة 
2 ـــ نية التحرك للدفاع على كل حق
3 ـــ نية السعي لإعلاء كلمة الله علميا ومدنيا وسياسيا
4ـــ نية الدود على المسلمين وعلى ثغور الأمة
5 ــــ نية السعي للشهادة 
6 ــــ نية التدافع الإسلامي في كل ميدان .
7 - نية أي عمل ديني أو دنيوي 
ولتتعدد النيات .
ولحد جزمنا بوجوب إخلاص النية قبل وبعد  كل عمل ، ومهما صغر أو كبر . 
مع وجوب تجديد نية الإيمان بالقرآن كله سنيا عند العديد من المسلمين ، وعمليا عند كل العاملين في الحقل الإسلامي . 
فكلما كان المومن ربانيا كلما كان حقا قرآنيا ومومنا بكل السنة ، وكلما خلصت وكملت وتكاملت   نياته . 
النيات التي لن تصفو حتى تكون حقة وعملانية ، وترتبط حقا بغاية كل هاته الغايات وهو الله سبحانه وتعالى :
فيكون وجهه سبحانه وتعالى هو أول وآخر بل وكل الرجاء : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه  . الكهف 28
وإلا فلا نجاة لنا من ثرثراتنا الفقهية ، ومن آبار وتفاريع تديننا اللغوي ، ومن آثام شهوات العلم والكلام دون عمل ، وسيئات التعلم للدنيا فقط : 
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؟ 
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . الصف 2.3 
ولكن ورغم كل هذا فإن الربانية لا تعني العصمة ، ولا المثالية الكاملة : 
فليس كل من كمل تخصيصه قد كمل تخليصه . كما قال إبن عطاء السكندري رحمه الله ..
ومن هذا العمق تعلم الربانيون - ومن نقائصهم كذلك - عدم إدعاء الطهرانية الزائفة ، أو الحكم على الناس وإزدرائهم ، كما تعلموا وتربوا كيف يكونوا متخلقين وإنسانيين ، ومحبين للحق والخير لهم ولكل الناس ، داعين لله عن بصيرة ، وبكل رأفة ورحمة وإنسانية ..
وذلك لوعيهم بالعديد من الإشكالات والإشكاليات ، ولمعرفة بعضهم بمدى تعقد الظاهرة الإنسانية تاريخا ووجودا ، وعلمهم بكل ما ينتج عن تعايشنا البشري وما يثور في البيت العالمي من صراعات ..
مما يجعل من الربانية الحركية بديلا يسع كل تفهم حضاري ، وكل مشروع هادف ، ويجعل من عرفانياتها الكاملة فهما حكيما يستوعب كل صراع بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والمقدس والمدنس ، كما يسع كل تدافع بيننا والآخرين ...
هذا شمولا ، أما فرديا - ورغم كل سماوات هاته الربانية الشاهقة - فإن الصفات الأولى لكل رباني - وكل مسلم مومن - يسيرة وجد موجزة ، وتتلخص في الصدق والإخلاص :
بالعمل بأركان الإسلام الخمس
الإيمان بأركان الإيمان الست 
حسن الخلق والمعاملة 
دوام الذكر والتذكر ، والفكر والتفكر
إدمان الإستغفار والتوبة من كل ذنب
والتعلم الدائم بنية العمل 
مع اليقين بأن الباب العلمي والعملي الأكبر لكل هذا يتجلى في تدبر القرآن الكريم اولا ، ومدى الحياة ..
ولهذا ننصح أولا :
بكتاب : كلمات القرآن الكريم : للسيد حسنين مخلوف رحمه الله أو ما يماثله من تفاسير ميسرة
وكتاب : رياض الصالحين : للإمام النووي رحمه الله كباب أول للسنة الشريفة ..
مع ما تيسر من كتب السيرة والتاريخ الإسلامي .. 
وبتفتح بعدها على كل العلوم والفقهيات الإسلامية وما حق من علوم ومعارف وآداب ..

من مكدرات الربانية :


هناك غايات عديدة يستهدفها المسلم من عبادته ، وذلك حسب وعيه بمرامي الإسلام ، لكن تبقى غاية كل هاته الغايات هي القرب من الله لذاته سبحانه .
وهذا ليس بالأمر الهين على كل عابد أو عامل بالحقل الإسلامي ..
مما يجعل من النية في أي عمل إسلامي  ذات مهاوي سحيقة يجب الحذر كل الحذر من منزلقاتها وأمراضها كـــ :
1 ـــ اتخاذ الدين مطية للمكاسب الشخصية أو السياسية والتريس والعلو على المسلمين دون نية صادقة ، ودون بينات علمية  . 
2ـــ إشعال الفتن الطبقية أو العرقية أو العقدية ، والسقوط في جريمة تأليب الفقراء على الأغنياء باسم الإصلاح
3ـــ الإنتصار للنفس وإثبات الذات أمام المسلمين ، وبدينهم كسلاح ضدهم
4ـــ العمل لتحقيق مصالح محدودة ، وأهداف قاصرة وبعيدة عن مبادئ العلوم والفقهيات الإسلامية وعن فقه السياسة الشرعية.
5ـــ تكريس فرقة وشتات الأمة والشعوب والمجتمعات ، والإنتصار للتكثل الواحد وعدم السعي للوحدة والحوار
6 ـــ السعي للتسلط واكتساب مراتب داخل أي تكثل وإقصاء ذوي الكفاءات .
7ـــ إستغلال الجهلة والمتحمسين بشعارات خادعة ، وإقحام العامة في أمور من مهام أولي الحل والعقد وذوي الإختصاص ..
8ـــ تأليه التكثل ومعاداة كل التكثلات الأخرى بإسم أو بآخر
9 ـــ التنطع والتمظهر والإعتزاز بالذات وبالتدين تكبرا على المسلمين
10 ـــ الإعجاب بالمظهر كاللحي الطويلة والثياب الفضفاضة والإعتناء بالشكل دون الجوهر .
11 ـــ إدعاء التفقه وإقصاء المجادلة بالتي هي أحسن .
12 ـــ التموقف من عامة المسلمين تكبرا وادعاء للطهرانية الزائفة ، وازدراء أهل البلاء من العصاة دون إستغفار لهم ودون دعوة ونصيحة لهم بالحسنى
13ـــ عدم النزول لواقع المسلمين ، وعدم اللين معهم كلهم .
14 ـــ تكفير أهل لاإله إلا الله بكل تنطع وتفسيق الناس واحتقار أهل البلاء 
15ــ الجهل بأخلاق التبليغ والدعوة
16ـــ الغلظة في التعامل داخل الجماعة وخارجها والإنحطاط الأخلاقي بإسم الشد على السنة بالنواجد 
17ـــ نبذ كل مظاهر الحضارة وتحريم ما أحل الله وتحجير عقول الشباب وتكفير الفلاسفة والعلماء دون بينات علمية .
18ـــ الترامي على الفتوى في الدين دون كفاءات .
19ـــ الإستحمار الشخصي من طرف بعض القادة الإسلامويين والفقهاء التسلفيين وبعض أدعياء التصوف .
20 ــ الإسترزاق بالأعمال الإسلامية مدنيا وسياسيا بل وحتى رسميا : فهناك العديد من العلماء والأساتذة في الشعب الإسلامية الذين لا يستحقون رواتبهم العالية ، ولا يبدلون جهدا لله خارج وظائفهم ، ولحد الدعوة للإسلام الجزئي في كل مقرراتنا التعليمية والجامعية .
21 ـــ التلاعب بالقوانين الأساسية والداخلية للحركات والجماعات والجمعيات والأحزاب وبتسييرها . 
22ــ تنكر العديد من الحزبيين لمبادئهم الأولى ولكل تنظيراتهم  .
23ـــ التربية الرجعية والتكوين الناقص النابذان للتطور والتقدم وحضارة الأمة .
24ـــ الكفر بالعلوم والآداب الإنسانية التي لا تناقض الإسلام .
25- عدم الدعوة للتفكر والتأمل وللبحث عن الحقيقة .
26 - عدم الدفاع على الحق ، وعلى العديد من الحقوق الإنسانية التي لا تتناقض وحقوق المرأة والطفولة والشباب والرجولة والعمال إسلاميا ،وتجاهل حقوق الإنسان المتماسكة وفقهياتنا سياسيا ومدنيا  ..
27 - تبني العديد من الطروحات العلمانوية والعلموية المتناقضة وفقهياتنا 
28 -الجهل بعلمية العديد من العلوم العلمانية ومدى تعانقها مع مبادئنا الإسلامية .
29 - عدم السعي لإصلاح مثالب وسيئات الديمقراطية بمحاسن وفضائل شورانا الإسلامية وسياستنا الشرعية .
30 - عدم الوعي بالمخططات والمكائد الخارجية والصهيوماسونية المدمرة ، وإتخاد الأنظمة الوطنية والأحزاب المحلية كعدو أول ..
31 - عدم تدبرنا ودراستنا للقرآن الكريم بنية العلم والعمل ، وبنية الإصلاح الفردي والجماعي والتدافع العلمي : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها . محمد 24.
32 - عدم الوعي بالطاقات والقدرات الذاتية المكنونة فطريا وربانيا في المسلمين ولذى كل الناس ..
33 - نقص تربيتنا على التطوير المستمر للذوات ..
34 - الدفاع عن الأنفس وإثبات الذوات بالإسلام عوض الدفاع بنكرانها على الإسلام 
 وتتتالى أخطاؤنا..................
والتي نوجزها كلها في سيئة دعوتنا العلمية والعملية للإسلام الجزئي..
وكل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون . كما روى الترمدي والحاكم وإبن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ..
واساس كل هذا العديد من الآفات النفسية والخلقية والفكرية والإجتماعية والسياسية والتكوينية التي تفسد النيات وتفرق الصفوف وتقف شامخة ضد الشرط الأول في هاته الربانية الذي هو الصدق والإخلاص  في النية قبل العمل ..
مما يجعل كل أمراض الرياء مصنفة في هذا المضمار :من الأنانية حتى التباغض والحسد ، وحتى التحايل وكل كبائر النفاق العقدي والإجتماعي ..
ومعها كل الكبائر الباطنة التي ينكرها الإسلام قرآنا وسنة : كالغيبة والنميمة والغدر والخيانة والكذب ..
وكل أنواع الإثم الظاهرة والباطنة ،كفرا بقوله تعالى :  وذروا ظاهر الإثم وباطنه . الأنعام 120 .
في حين أن الربانية هي أن تكون كلك لله ، وفي أن تكون كل حركاتك بالله ولله وفي الله : ومن كان كله لله كان الله له .
وذلك هو الهدى الذي يربي عليه الربانيون مريديهم لرفع هممهم عن كل الدنايا ، ولتربية قلوبهم على المعاني الكبرى للعبادة والملخصة في : صدق التوجه لله تعالى كتعريف للتصوف السني الحق وكباب كبير لفقه الإحسان ، ولعرفانيات الولاء لله سبحانه ..
والذي لا يعني كل الإسلام ، بل التصوف الحق شعبة فقط كباقي شعبنا الإسلامية .
والتي تبقى وحدها العلاج - ما كانت حقا ربانية - لكل أمراضنا الفردية ..
رغم أن بعض المربين والمرشدين وشيوخ الصوفية قضوا باستحالة الجمع بين الحركية والربانية لما رأوه من هاته العفونات  ..
وهي فكرة استقرائية واقعية، لكن الربانية المثلى هي التي لاتعزل المسلم عن هموم المسلمين كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم . رغم ضعف الحديث.

من شروط الربانية الحركية :


فلتحقيق بعض شروط الربانية حركيا إذن واجبات عديدة بعد استخلاص النيات لله تعالى ، ومنها :
1ــ الوعي بالواقع ، وبمستوى الحضارة القائمة بكل تشكلاتها بالنسبة لأي منظر وكذا الوعي بتاريخ الأمة وبعض تراثها ، مما يوجب التفتح على كل العلوم الإسلامية وكل ما لا يناقضها ،  لا سجن كل الإسلام في الفتاوى الفقهية لحد سجن القرآن في علوم الشريعة وسجن الإسلام كله في عهد الصحابة رضوان الله عليهم  .
إذ بات التفتح والوعي إسلاميا بفكر كل الإنسانية ، ولإنقاد كل الإنسانية ، وبكل إنسانية ، من الصفات المهمة التي يجب أن يهتم بها فطاحلة علمائنا الأجلاء عمليا .
2ـــ الوعي بآداب التبليغ والدعوة وعلوم التكوين والتربية والتواصل وما يلزمها من لطف ورفق ، ويسر وتبشير ، ودوما بين ثنائية الترغيب والترهيب ، وبين موجبات التسامح والسلام وإكراهات التدافع .
3ـــ الوعي بكل آداب الحوار بالحسنى امتثالا لقوله تعالى :  ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن . العنكبوت 29
 فما بالك بالمسلمين؟
4ـــ الإلتزام جهد الطاقة بالسلوك الإسلامي فرديا وحركيا وفقهيا وعلميا والتربية عليه
5ـــ إنجاز قاموس عملي موجز وميسر عن علوم الدين كلها وتدريسه ، قبل الإهتمام بالثقافات الزائدة والبدائل الحركية .. 
وكذا الحذر من الثرثرات الفقهية والفكرية المقيتة والمشتتة للعقول والقلوب .
6 ــ الحذر من كل الأطماع الدنيوية..
 مما سيجعل من الإسلام - وكما هي حقيقته - جنة دنيوية لكل مومن صادق ..
 بل وهدية سلام ورحمة ، وشلالات كلها حقوق وخيرات لكل الإنسانية  ..
وإلا فلا مفر لنا من هذا الجحيم الحركي والإجتماعي والمعاشي الذي يحياه كل مومن صادق ، وكل ذو إحساس ..
وسيظل العديد من علمائنا ومفكرينا وسياسيينا مقصرين في العديد من رسالياتهم كمصلحين ...