*************************************
بإسم الله الرحمان الرحيم :
ولكن كونوا ربانيين
بما كنتم تعلمون الكتاب
وبما كنتم تدرسون .
آل عمران 79
********************************
أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه . صدق الله العظيم.
بإسم الله الولي الحميد
وكأني بك وقد تجلى الملك السلام سبحانه وتعالى بجلاله عليك ، قد سقيت - أيها المصلح المكلوم - من غيبه في شهادتك ، وقيل لك - وأنت لا تزال مهموما بأمتك وآهاتك - إرو فلطالما ظمئت ، وإسعد فلطالما شقيت ، وإبق فلطالما فنيت ، ودع روحك تصفو بأسمائه الحسنى سبحانه وتعالى وقد تجلت لك ، لتتصل به سبحانه وتعالى وقد إتصل بك ، وتشهده وقد أشهدك ، وتطمئن به وقد طمأنك ، وتقبل عليه وقد قبلك ، وتتمنى عليه وقد حكمك : ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . البقرة 269
فبعينه سبحانه وتعالى تقلبت في آهاتك وهمومك ، وبه جاهدت في ظلماتك ونورك ، وعن قدر منه تمرغت في فقرك وضرك ، وبمشهده صبرت على بلواك ومحنك ، ليسبك كلك بكلك ، لعلك تصلح لخدمته في آخر عمرك ..
فلم يغب عليه سبحانه وتعالى شأنك ، ولا خفي عنه جهرك ولا سرك ، وقد مضغت في سبيل محبته الحنظل والعلقم ، وإقتحمت لإعلاء كلمته الجمر المجمر ، وغيرك هادئ في عيشه الأخضر ، حتى صرت كاهلا على كل كاهل ، وكانك من مرميات المزابل ..
وقد آذاك وكل أمتك الخلق بألسنتهم ، وإبتذلوكما بأعينهم ، وطردوكما من أفنيتهم ، وسفهوكما في مجامعهم ، وحقروكما بسياساتهم وقلوبهم ، وتقززوا منكما كلما تقاربتما ، وإستعاذوا منكما كلما تماسكتما، بل ونهشوكما ثم شتتوكما كل شتات .. وقد سخروا منك عند قولك ، وأهانوك عند سكوتك ، وإذا دعوتهم لم يلبوا ، وإذا حدثتهم لم يجيبوا ، وإذا إستعطفتهم لم يسعفوا ، كما حال معظم العلماء إن عملوا ، وللإصلاح الحق شمروا...
كل ذلك كان ولا يزال بمسمع منه سبحانه وتعالى ومرأى ، لم تنطو عنه منك ذرة ، وقد إختبر صبرك ، ليشد أزرك ، ويبارك أمرك ، ويعمق علمك ، بعد أن قتل فيك النفس الأمارة ، وأصلح منك الباطن قبل الظاهر ، وأماتك لتحيا ، وإبتلاك لتعلم ، ورباك لتتربى ، وأفناك لتبقى يا مبتلى ويا مصلح ويا مكلوم ، لعلك تكون أهلا لقرآنه ، وللتمسك حكيما بسنن رسوله ، فتذوق من بعض عرفانياته وولائه عليه الصلاة والسلام ومن بعض علومه ، فتحضى حقا بعبديته سبحانه ، وبشرف خدمة كل دينه :
فلا يسجنك مذهب عن مذهب أيها العالم العامل ، ولا تكثل عن تكثل ، ولا فقه عن فقه ، ولا عمل عن عمل ،...: فالإسلام دين لعدة مذاهب ، ودين لآلاف الفقهيات ولآلاف العلوم ، وأينما كان الحق فذاك المذهب .. فحذاري أن تأسرك غاية عن غاية : فالحق إسم لله تعالى ورب تعبده ، وهو غاية كل الغايات سبحانه ..
فكن وفيا لصلاحك ، لعلك تنادي حقا بكل الإصلاح ، بعد أن تتعلم حتى تحتار ، وتحتار حتى تتعلم ، فتعمل بعلم ، ثم تعلم عن عمل ، وتجاهد بعرفان ، حتى ينطق بقلبك الفؤاد وبك يسعدا ، ويصفو بروحك السر ولك يلهما ، فتشهد بأنك ما جاهدت ولن تجاهد فيه سبحانه وتعالى - ومهما عملت أو علمت أو عرفت - حق جهاده ، ولا واليته ولن توليه - ومهما فنيت في حبه - حق ولائه ، ولا قدرته ولن تقدره حق قدره ، بل ولا منه إستحييت سبحانه ....
بل وما ذقت - إن كنت كذاك - إلا ذرة من حال وفهم وعمل الحبيب شفيعنا محمد عليه كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم ، فلا يعلم قدره جزاه الله خيرا على الثقلين ، إلا الله سبحانه وتعالى رب العالمين : فلقد كان يخاطبنا فقط بما لا تعيى العقول به صلوات الله التامات عليه .
وفوق كل ذي علم عليم . يوسف 76 .
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . الإسراء 85 .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا . النور 21 .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا . النساء 83 .
و: لن يدخل أحدا عمله الجنة . كما روى البخاري.
وقمة العلم : الله أعلم .
ولهذا وغيره أضع لك سيدي العالم المكلوم ، ولكل من تهمه همومك ، وكل من تثكله آهات الأمة ، ويسكنه حب الحق والخير وصفو الكمال ، رسائلي الموجزة هاته ، لعلها تكون شفاء لبعض دائك ودائنا ، وجوابا عن بعض سؤالك وسؤالنا ، وبلسما لبعض جراحك وجروحنا ، ولما لشتاتي وشتاتك ، واللهم لشتاتنا .. آمين .
ولو كانت لي دعوة مستجابة لدعوتها - وبإسم الله الأعظم - لذوي الأمور في كل أوطاننا ، ولكل مفكرينا وعلمائنا العاملين ولكل المصلحين الصالحين ، لأن بهم كل الصلاح والإصلاح ، ودونهم كل الفساد والإفساد ..
وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . الرعد 11 .
واللهم وجهك الكريم يا كريم.
كما الماضي والحاضر ستظل الإنسانية بحاجة للفكر وللعلوم وكل الآداب والفقهيات الإسلامية كبوصلة كبرى لكل العقل المستقبلي ، وكبديل لكل الإيديولوجيات العالمية ..
الأمل الذي كدنا نفقده مع الأخطاء الهدامة للإخوة الإسلاميين ، وخصوصا بعد تسلقهم السريع لكراسي السلطة دون فقه حركي ولا هندسات مستقبلية ، بعد أن كانوا هم البديل الوحيد للعديد من شعوبنا العربية ، بل وفرسان الخلافة كما كانت شعاراتهم الأولى ..
وليصير إسلامنا السياسي آفة لا علاجا ، ومشكلا لا حلا ، بل وأزمة إسلاموية وتسلفية لا ندري إن كنا سنستطيع تجاوزها قبل بعثة المهدي ونزول عيسى عليهما السلام ..
ولكن ورغم كل هذا الإخفاق السياسي والحركي والتخليقي والفكري لا زال إسلامنا الحنيف الملاذ الوحيد للإنسانية بعد أن وصل العقل الغربي مداه ، وبعد أن وقفت كل إيديولوجياته العالمية ، ولحد النداء الغربي اليوم لنفي العقل ونبذ الأخلاق ، وللفوضى الخلاقة وكل سياسات الحمق والجنون ، ولحد قول بوش الإبن : إنقضى زمن الإيديولوجيات.
ليبقى الإسلام - وبكل أسسه ومعاليه - البديل الحالي والمستقبلي لكل المدارس العالمية .. لكن أي إسلام ؟ وبأي مذهب ؟ : لنجيب بكل بساطة ولكن بكل عمق : إسلام القرآن الكريم والسنة الشريفة وبالمذهبية الإسلامية الحقة كلها .. لكن ولنسأل : وبأي فهم ؟ ليجيب البعض : بفهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .. لنقول : لقد وصل لنا نقل الصحابة للوحي قرآنا وسنة وسيرة لا العقل الكلي للصحابة ، والذين لم يكن لهم بدورهم فهما موحدا ولا سياسة واحدة ..
الفهومات والسياسات النبوية والصحابية التي لن نتلمسها بلطف ، بل ولن نقترب من آفاقها بعمق إلا بتدبرنا للقرآن الكريم كله وللسنة الشريفة كلها ، وإعتبارنا بكل السيرة النبوية الوقادة ، وبنية التعلم منها والعمل بها ، قبل الغرق في أي من الفقهيات والعلوم والآداب الإسلامية الأخرى ، وكل ما لا يناقضها من علوم ومعارف حقة .
وكل هذا قبل الإختصاص في تنزيلها كفقه إصلاحي عام - وبكل تدرج - إن أردنا الإصلاح بكل رحمة وسلام وربانية : لأن المذهبية الإسلامية مركبة وليست بسيطة ، بل وجد معقدة حركيا وعند التنزيل ، وخصوصا بعد ان داخل العديد من العاملين في ساحات حقلنا الإسلامي ما داخلهم ، وبعد إدعاء كل تكثل منا لإجتهاده كفهم مطلق ، وكمذهبية شاملة ، ودون تفريق منا بين رحمانية الدين وإنسانية التدين ، وذاك لجهلنا بأن ديننا ليس هو تديننا ، وبأن الإسلام دين لعدة مذاهب ، ووحي لآلاف العلوم والفقهيات ، لا دين ووحي لمذهب واحد مهما تماسكت علومه وفقهياته ، ومهما تسنن منهاجه ، ولتبقى - ولحد اليوم - كل نقائضنا الحركية والعلمية والفقهية والفردية والتربوية في دعوتنا للإسلام الجزئي ، الذي كان ولا يزال من أعتى مولدات فشلنا ، بل وعين كل أزماتنا ..
الأزمات التي لن نتجاوزها إلا بإصلاح أنفسنا أولا كعاملين في الحقل الإسلامي ، وبنية البناء الصادق لا الهدم المصلحي ، ونية التوحيد لا الفرقة أولا ، وبكل إنسانية وتدرج وربانية ..ولصالح كل الناس - بل وكل الأرض - كما هي حقيقة الإسلام .
ودوما بالإسلام كله سنيا ، وبكل تدرج وربانية ، وإلا فلا إيمان منا كاملا بالإسلام :