فالربانية الكاملة إذن وبإجمال هي التحلي بكل صفات العبودية والعبادة والعبودة ثم العبدية كأعلى مقامات الولاء لله تعالى ؛ مع التخلي عن كل صفات التأله والتكبر والصفات الإلهية الخاصة التي لاتجوز للإنسان ، والتي لا يزال يسقط فيها حتى العديد من أرباب المواجيد وهواة الفلسفات الصوفية ..
ولن تتحقق هاته المكاسب إلا بالتقرب لله سبحانه وتعالى بكل موجبات الإحسان ، والموجزة في التحلي بكل رقائق الإيمان بعدالإلتزام بكل فرائض الإسلام ، وبكل سنية .
مع الإستغراق في مقام المراقبة ، مع سلوك القلب بكل حكمة وشفافية وروحانية..
ولن يتم للمحسن هذا - بعد العمل بعلم - إلا بالحب الخالص لله سبحانه وتعالى ، تعرفا عليه ، وتخلقا بأسمائه الحسنى :
إذ هناك من صفات الله تعالى ما يتخلق بها المومن نسبيا - لا إطلاقا - كإسمه تعالى الرحيم والكريم والمومن والعزيز واللطيف والودود وغيرها ..
ولحد قول أحد المشايخ لمريديه : تخلقوا بأخلاق الله ..
والذي لا نعني بها التأله بقدر ما نعني بها التذوق الروحي للصفات الإلهية التي تأتي مجازا ونسبيا في الربانيين الذين إمتلأت كثير من كتب التصوف في الإسلام بحكمهم ومواجيدهم ، والداعية إلى الرفع من معنوياتهم وهممهم لنيل الدرجات العلى من ولاء الله سبحانه وتعالى ..
ولحد الصديقية الكبرى كثاني مقام بعد النبوة وعند كمال التجليات ..
حيث تكتمل خلافة الرباني لله سبحانه ، وتكتمل إنسانيته..
فالرباني الخالص هو الإنسان المكتمل الإنسانية ، والخليفة الحق كما كان الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة والأولياء العارفين رضوان الله عليهم أجمعين .
فللربانيين إذن كل صفات المسلمين الظاهرة ، وكل سلوكات المومنين الباطنة وكل أسرار المحسنين ، والتي أثنى الله عز وجل على بعض أعمالها الأساسية كـ :
1ــ أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المناكر : لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت . المائدة 63
2ــ الجهاد في سبيل الله بكل عزم وقوة وصبر : وكأين من نبيء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا . آل عمران 146
3ــ العلم والدراسة والتدريس : كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون . آل عمران 79
وكل هذا وغيره لن يتم للرباني إلا إذا كان حقا من السالكين أحوال رسول الله صلوات الله عليه : لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا . الأحزاب 21
مما يلزم كل المحسنين بالرجاء الوافر والذكر الكثير ، لعل الله يمن عليهم بالإستغراق في الخشوع وفي أحوال النبي الباطنة عليه الصلاة والسلام ، لا أقواله وأعماله الظاهرة فقط .
فمن لم يكن ذو رجاء كبير وكثرة ذكر ، وسلوك وخشوع قلب ، وذو أحوال روح ، فإسوته ناقصة برسول الله صلوات الله عليه كما يشير عمق الآية السالفة عمليا :
وهذا لن يتم إلا باتباع سبيل النائبين : واتبع سبيل من أناب إلي . لقمان 15:
أي الراجعين دوما إلى الله تعالى ، والذائقين لمعاني الكلمات الطيبات: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . كأساس لكل مواجيدهم الروحية وسلوكاتهم القلبية وتفكراتهم العقلية .
والملهمين بكل ما يلزمها من علوم وأعمال ، وكل ما تثمره من معارف ومعاني وأذواق ..
حتى الرضى الكامل ، والإستسلام المطلق ، والسكينة السعيدة ، ثم الثقة الحقة بالله تعالى ، فخصوصية الرؤى وسماوية الأسرار ..
الأسرار والعلوم والمعارف والآفاق التي لا سبيل لها إلا بصحبة الصادقين امتثالا لقوله تعالى : وكونوا مع الصادقين . التوبة 119
الآية التي تلزم كل صادق يرجو التعبد الفردي والسلوك القلبي أو العمل الجماعي بالفطنة والتثبت من :
- صدقه أولا
- صدق مرشده أو قائده أو زعيمه أو فقيهه
- صدق إجتهادات وأهداف تكثله ..
لأن مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم كان مجتمع صدق ، وللتأسي بهم لا بد من صحبة صادقة ولو قلت ..
فالربانية إذن صحبة ربانية ، وصدق علمي وعملي ، ونية خالصة ، وإقتداء برسول الله صلى الله عليه جهد الطاقة ، وفي كل مجال ..
الأمور التي لن تتحقق إلا بالتعاون والتكافل والمآزرة النافعة ، وبالتفتح على كل الفقه والفكر والعلوم الإسلامية بنية العمل ..
وبكل تدرج ورفق ، لأن العلوم القرآنية والسنية غزيرة الأعمال ، ولا بد من وعي بفقه الأوليات بالنسبة للفرد وكذا الجماعة ..
الأوليات التي نراها إسلاميا تلزم أي مصلح بمحاربة الفقر المادي والمعنوي وبناء الإنسان المسلم قبل أي هدف :
فالجسم العاري والبطن الجائع والعقل الجاهل والقلب الجشع والروح الجافة والإنسان المشرد هي أم المشاكل ..
ولا بناء للإنسان دون كرامته المالية ودون تخليقه أولا ، ومهما تعاظمت مشاريعنا الدنيوية ، وسطت برامجنا السياسية علمانويا أو إسلامويا ..
فلا إصلاح إسلامي دون تخليق ، ودون سيطرة على الفقر كبداية ..
لأن الإسلام جاء لإصلاح الإنسان أولا ، ولإنقاد كل الإنسانية ، وله في كل موضوع من مواضيعها علومه ، ولكل مشكلة من مشاكلها حلوله : وما أرسلناك إلا كافة للناس . سبا 28..
مما يوجب علينا الحذر كذلك من نسيان أخوتنا الآدمية والبشرية كما قال رسول الله صلوات الله عليه وروى الألباني : كلكم بنو آدم وخلق آدم من تراب .
وكذا الحذر من كل آفات الإسلام الجزئي بدعوى فقه الأوليات ، وإلا تنكرنا للعديد من الآيات والأحاديث ، كما إنزلق العديد من المنغلقين على أي مذهب أو تكثل أو علم أو فقه ، ولحد السقوط في كل سيئات قوله تعالى : أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض البقرة 85..
فالإسلام ليس مذهبا منفردا ، ولافقها واحدا ، بل دين لعدة مذاهب ، ودين لآلاف الفقهيات وآلاف الشعب والعلوم .
مما يلزمنا بالتمسك بالقرآن كله سنيا ، ودون إنغلاق :
وأينما كان الحق بعدها فذاك الإسلام ..
بل والحق إسم من أسماء الله الحسنى سبحانه ..
وربما وجدته عند من لا صلة له بالإسلام :
فليست كل علوم الكفار بكافرة ، ولا كل علوم العلمانيين بفاجرة ، كما أن إجتهادات العديد من المسلمين ورؤى العديد من الإسلاميين ليست بحكيمة ولا صائبة .
ولهذا فإن للربانية العلمية وللربانية في الحركية الإسلامية شروطا عديدة بل ودقيقة ..
وأولها الإيمان العملي بالقرآن كله سنيا ، وبكل تفتح على كل ما حق من علوم ومعارف وآداب وفنون ..
مع الصدق كفرض دائم ، والنية الخالصة كأساس متين ، والتي تتنوع إلى عدة نيات كـ :
1 ـــ نية التحرك لكل خير ومنفعة
2 ـــ نية التحرك للدفاع على كل حق
3 ـــ نية السعي لإعلاء كلمة الله علميا ومدنيا وسياسيا
4ـــ نية الدود على المسلمين وعلى ثغور الأمة
5 ــــ نية السعي للشهادة
6 ــــ نية التدافع الإسلامي في كل ميدان .
7 - نية أي عمل ديني أو دنيوي
ولتتعدد النيات .
ولحد جزمنا بوجوب إخلاص النية قبل وبعد كل عمل ، ومهما صغر أو كبر .
مع وجوب تجديد نية الإيمان بالقرآن كله سنيا عند العديد من المسلمين ، وعمليا عند كل العاملين في الحقل الإسلامي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق